الاستدامة

يكرّس المتحف المصري الكبير جهوده ليكون رائدًا عالميًا في مجال الاستدامة، من خلال دمج أحدث الممارسات العلمية في جميع أنشطته.

يهدف المتحف إلى الحفاظ على التراث الثقافي الفريد لمصر، والمساهمة في مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.

يتماشى المتحف المصري الكبير مع رؤية مصر 2030 من خلال ثلاثة أهداف رئيسية: الاستدامة البيئية، والاستدامة الاجتماعية، والاستدامة المالية.

توجّه هذه الأهداف جهود المتحف نحو تحقيق التنمية المستدامة وصون التراث الثقافي، ويسعى المتحف إلى أن يكون نموذجًا يُحتذى به في تطبيق ممارسات الاستدامة.

الاستدامة البيئية

المسؤولية البيئية

      يتبنى المتحف المصري الكبير، رؤية واضحة للمسؤولية البيئية، من خلال حلول تصميمية وأنظمة تشغيلية، تقلل الأثر البيئي والانبعاثات. تُستخْدَم نظمُ تحكم ذكية، لإدارة استهلاك الموارد الطبيعية، كالماء والطاقة، مع تعزيز ممارسات الاستدامة؛ لحماية التراث والحفاظ على بيئة صحية للزوار والموظفين.

البناء والتصميم المستدام

     تم تأسيس المتحف المصري الكبير؛ ليعكس التراث الحضاري لمصر، مع مراعاة الاستدامة البيئية. شهدت مسابقة دولية مشاركة من ٨٣ دولة، و١٥٥٧ مكتبًا معماريًّا. فاز تصميم شركة هينغهان بنغ الإيرلندية، حيث يصور المتحف على شكل مخروط، مستلهم من أشعة الشمس، المنبعثة من الأهرام الثلاثة، ويجمع بين البساطة وكفاءة الموارد، مع ارتباط قوي بالعمارة المصرية القديمة. يتيح التصميم رؤية الأهرام، ويضم مساحات خضراء؛ لتنقية الهواء، وأنظمة تبريد مستوحاة من التهوية المصرية القديمة، مدمجة مع تقنيات حديثة، ويُستْخَدم الرخام والجرانيت من البيئة المحلية.

كفاءة الطاقة وتقليل الكربون

     يوظف المتحف نظام إدارة الطاقة الذكي، الذي يتضمن استخدام الخلايا الشمسية، وأنظمة إضاءة LED منخفضة الاستهلاك، وتقنيات تهوية طبيعية. أسهمت هذه الأنظمة في تحقيق وفر في الطاقية بنسبة 62%، مقارنة بالمعايير التقليدية، مع تقليل الانبعاثات الكربونية ؛ مما يعزز دور المتحف كنموذج عالمي، في تقليل البصمة الكربونية.

إدارة المياه ومواد البناء

     شمل نظام إدارة المياه في المتحف تقنيات متطورة، لجمع مياه الأمطار وإعادة استخدامها، لري المساحات الخضراء، إلى جانب أجهزة توفير المياه، في دورات المياه والزراعة الذكية. كما تُوَظَّف تقنيات ذكية؛ لرصد التسربات وتقليل الفاقد. يعتمد البناء على مواد مستدامة محلية، تعزز من استدامة المشروع، مع استخدام الرخام والجرانيت المصري، كمحاكاة للممارسات التقليدية وتعزيز الترابط مع البيئة المحلية.

تقليل النفايات وإعادة التدوير

     يطبق المتحف استراتيجيات شاملة، لتقليل النفايات، عبر منهجيات إعادة التدوير، والحد من المخلفات في مراحل البناء والتشغيل. كما يُشجِّع على استخدام المواد القابلة لإعادة التدوير، ويعزز الوعي البيئي بين الموظفين والزوار؛ لتشجيع ممارسات صديقة للبيئة.

المرافق المستدامة

     تتميز مرافق المتحف بأنظمة تحكم بيئية ذكية، تدير: الإضاءة، التدفئة، التبريد، وجودة الهواء الداخلي؛ مما يخلق بيئة مستدامة صحية ومريحة. كما تشمل الخدمات: قاعات مؤتمرات، مسارح، ومطاعم، تحافظ على معايير الاستدامة، مما يدعم تجربة الزائر. كما تم توفير مساحات خضراء، وممرات مفتوحة، تعزز من تجارب الزوار، وتدعم التواصل مع البيئة، مما يسهم في خلق تجربة متكاملة، تراعي الصحة والرفاهية، مع تقليل الأثر البيئي.

إدارة الموارد

     يعتمد المتحف على نظام شامل لإدارة الموارد، يشمل استخدام أنظمة ذكية للمراقبة والتحكم، والتي تقلل من هدر الطاقة والمياه، وتستخدم مواد محلية منخفضة التأثير البيئي. كما يرتبط نظام إدارة المبنى بنموذج معلومات البناء الرقمي (BIM)، لتوثيق ومتابعة استهلاك الموارد بدقة عالية.

تحسين الصورة العامة

يبرز المتحف المصري الكبير كنموذج رائد في التزامه بالاستدامة والابتكار، مما يعزز صورته العامة على المستويين المحلي والدولي. وقد حصل المتحف على عدد من الشهادات الدولية المرموقة مثل ISO وEDGE تقديرًا لالتزامه بمعايير الجودة والاستدامة.

وفي هذا الإطار، حصل مشروع المتحف على الشهادة الدولية EDGE ADVANCE للمباني الخضراء، والمعتمدة من مؤسسة التمويل الدولية (IFC)  إحدى مؤسسات مجموعة البنك الدولي  ليصبح أول متحف أخضر في أفريقيا والشرق الأوسط. شمل التقييم إجراءات ترشيد الطاقة، واستخدام مصادر الطاقة النظيفة، وتركيب الخلايا الشمسية، وتطبيق أنظمة الإضاءة والتهوية الطبيعية. كما نال المتحف ثماني شهادات أيزو في مجالات الطاقة، والجودة، والصحة والسلامة المهنية، والبيئة، فضلًا عن جائزة أفضل مشروع في مجال البناء الأخضر، والشهادة الذهبية للبناء الأخضر والاستدامة وفقًا لنظام الهرم الأخضر المصري الصادر عن المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء.

ومؤخرًا، وقبيل افتتاحه الرسمي، حصل المتحف المصري الكبير على اعتماد تقرير الانبعاثات الكربونية، تأكيدًا لالتزامه بتطبيق أعلى المعايير الدولية في حماية البيئة وتعزيز ممارسات الاستدامة. وقد تم اعتماد التقرير من قبل الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات بالتعاون مع المجلس الوطني للاعتماد (EGAC)، وشمل تقييمًا شاملًا للانبعاثات الناتجة عن أنشطة المتحف خلال مراحل التشغيل وفقًا للمعايير الدولية.

ويُعد هذا الاعتماد خطوة رائدة في مسيرة المتحف نحو الاستدامة البيئية، ونموذجًا للتعاون الفعّال بين المؤسسات الوطنية لدعم جهود الدولة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتعزيز مكانة المتحف كمؤسسة ثقافية مسؤولة بيئيًا على المستويين المحلي والعالمي.

وفي السياق ذاته، شهد المتحف توقيع بروتوكول تعاون بين هيئة المتحف المصري الكبير وجهاز شئون البيئة، لتعزيز الشراكة في مجال حماية البيئة ودعم السياسات الوطنية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويهدف البروتوكول إلى تقليل الانبعاثات الكربونية خلال فترة التشغيل، والمساهمة في جعل المتحف "متحفًا أخضر صديقًا للبيئة".

كما يتضمن البروتوكول تنفيذ برامج توعية وتثقيف بيئي داخل المتحف، تشمل أنشطة تعليمية وعروضًا لمطبوعات ومواد علمية حول التنوع البيولوجي والمحميات الطبيعية في مصر، إلى جانب الترويج للسياحة البيئية بين الزائرين. ويتضمن التعاون كذلك رصدًا دوريًا لجودة الهواء والضوضاء في منطقة المتحف، وزراعة الأشجار ضمن مبادرات الدولة للتشجير، إضافةً إلى تقديم الدعم الفني والعلمي في إعداد وتنفيذ البرامج البيئية والتدريبية، بما يعزز مفهوم المتاحف المستدامة في مصر والعالم.

الاستدامة الاجتماعية

يكرس المتحف المصري الكبير جهوده؛ لإشراك المجتمعات المحلية والعالمية، في تعزيز الوعي بالاستدامة والتراث الثقافي، من خلال تصميم وتنفيذ برامج وورش عمل وحلقات نقاش، تهتم بالاستدامة والحفاظ على البيئة وصون التراث.

ويتعاون المتحف مع المدارس والجامعات والمنظمات المجتمعية؛ لتوفير موارد تعليمية متاحة لمختلف فئات المجتمع، تأكيدًا على دوره التعليمي والثقافي، في دعم التواصل المجتمعي.

 كما يعمل المتحف على خلق بيئة ثقافية شاملة، خالية من العوائق، تتيح لجميع الزوار - بمن فيهم ذوو الهمم - فرصة الاستكشاف والمشاركة الكاملة في أنشطته.

 ويعتمد المتحف على تصاميم مبتكرة، تضم التفسير بطريقة برايل، ووسائل تفاعلية متنوعة، لترسيخ مبدأ الإتاحة والشمولية، في برامجه التعليمية وورش عمله ومبادراته.

 ويسعى المتحف كذلك، إلى تعزيز التبادل الثقافي، من خلال فعاليات تشجع الحوار والتفاهم بين الثقافات، وبناء شراكات مع مؤسسات ثقافية دولية، لتبادل الخبرات، وتنفيذ مشروعات مشتركة.

 الاستدامة الثقافية

لطالما صُنِّفت الاستدامة الثقافية، ضمن الركن الاجتماعي، لركائز الاستدامة الثلاث، إلا أنه -مؤخرًا-  أصبحت الاستدامة الثقافية ركيزة مستقلة، نظرًا لأهميتها المتزايدة في المجالات الاجتماعية والسياسية والبيئية، والمجالات الاقتصادية، حيث إن الاستدامة الثقافية هي عملية الحفاظ على القيم والمعتقدات والممارسات، والتراث الثقافي الملموس، وغير الملموس للمجتمعات، مع ضمان استمرار وحيوية الثقافة والتراث عبر الأجيال، بحيث تظل القيم والتقاليد والمعارف والموارد الثقافية، متاحة وملهمة للمستقبل، مع قدرتها على دعم أهداف التنمية المستدامة الأوسع نطاقًا.

 الاستدامة الثقافية تضمن ازدهار الثقافة، وتكيفها مع التغيرات الخارجية، محافِظةً على هُويَّتها الفريدة، ومساهِمةً في بناء مجتمعات شاملة ومرنة ومستدامة.

 وتعد المتاحف في قلب الاستدامة الثقافية، فالمتاحف هي الأداة الفعالة لتحقيقها، وهو ما يتناسب مع وظيفة المتحف الأصيلة، حيث تشمل دورها في الحفاظ على التراث، ونقله للأجيال القادمة، مع تعزيز الهُوِيَّة.

 تساعد المتاحف في الوصول إلى الاستدامة الثقافية، من خلال تحقيق أهدافها المتعلقة بالحفاظ على التراث الثقافي، وصيانته والبحث فيه بشكل أفضل.

 دور المتحف المصري الكبير في الاستدامة الثقافية

يُعدّ المتحف المصري الكبير أحد أهم المشاريع الثقافية في القرن الحادي والعشرين، ليس فقط لكونه أكبر متحف مكرّس للحضارة المصرية القديمة، ولكن أيضًا لأنه يمثل نموذجًا عالميًّا في تعزيز الاستدامة الثقافية. حيث تتمحور رؤية المتحف حول الحفاظ على التراث المصري الفريد، وصونه للأجيال القادمة، مع تقديمه في صورة عصرية، تجمع بين الأصالة والابتكار. فالاستدامة هنا لا تقتصر على حماية القطع الأثرية،فحسب، بل تمتد لتشمل:

 الحفاظ على التراث والهُوِيَّة: من خلال صيانة المقتنيات، باستخدام أحدث تقنيات الحفظ والترميم، وتوثيق الموروث الثقافي المادي واللامادي، وتعزيز الهُوِيَّة الثقافية والمحلية للأفراد والمجتمعات. 

 التعليم ونقل المعرفة: عبر برامج بحثية وتعليمية تفاعلية (تعكس تجارب الماضي، وتشكل أساسًا لاتخاذ القرارات المستقبلية) تستهدف الباحثين، والزُّوَّار والأطفال، من مختلف الخلفيات، بما يضمن استمرار تداول القيم والمعارف الثقافية.

 المشاركة المجتمعية:  حيث يعمل المتحف على أن يكون مساحة مفتوحة للحوار الثقافي، وتشجيع الجمهور على التفاعل والمشاركة، في صون تراثه وتبادل الأفكار، والعمل على القضايا المجتمعية.

وبهذا، فإن المتحف المصري الكبير، لا يقدِّم الماضي في صورته التقليدية فحسب، بل يربط بين التاريخ والحاضر والمستقبل؛ ليكون منصة حيّة، تضمن استمرار التراث المصري كمصدر إلهام ومعرفة للأجيال القادمة.

 هذا وتتطلب المتاحف المستدامة التوافق، بين أهدافها الثقافية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية، لتحقيق قيمة طويلة الأمد للمجتمع، وللحفاظ على التراث. ويتضمن ذلك تفعيل الشراكات، واستخدام التقنيات الذكية، وتطوير برامج تفاعلية، وتحسين أداء الهيئة لمواجهة تحديات العصر الرقمي والمناخي.

 

 

 

 

الاستدامة المالية

يُعد المتحف المصري الكبير أحد أكبر المتاحف في العالم، ويلعب دورًا محوريًا في دعم التنمية الاقتصادية في مصر وضمان استدامته المالية. فمن خلال استقطاب ملايين الزوار من مختلف دول العالم، يسهم المتحف في زيادة عائدات السياحة ، كما يُحفّز الإنفاق في قطاعات الإقامة والنقل والمطاعم والتسوق الثقافي.

بالإضافة إلى ذلك، يوفر المتحف فرص عمل واسعة، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر في القطاعات الداعمة كالفنادق، والتجزئة، والخدمات، مما يعزز النمو الاقتصادي المستدام ويجعل المتحف مركزًا ثقافيًا وتنمويًا متكاملًا.

وفي إطار ضمان كفاءة الإدارة والاستدامة المالية، تم توقيع اتفاقية التشغيل بين هيئة المتحف المصري الكبير وشركة ليجاسي للتطوير والإدارة بتاريخ ٢٨ أبريل ٢٠٢١. وتحدد هذه الاتفاقية آليات التدفقات المالية، ومؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs)، ومستويات الجودة المطلوبة من المشغل، بما يضمن تحقيق عوائد مستدامة، وشفافية في الإدارة، وتطويرًا متواصلًا يتماشى مع رؤية مصر للاستثمار في الثقافة والتراث.

يُعد مركز توت عنخ آمون للتدريب في المتحف المصري الكبير منارة للمعرفة والابتكار، يكرّس جهوده للحفاظ على التراث الثقافي المصري .
من خلال برامج متخصصة في علوم المتاحف، والآثار، وإدارة التراث، والترميم، يُمكّن مركز توت عنخ آمون المتخصصين والمهتمين من جميع أنحاء العالم من المساهمة في حماية ماضينا المشترك.
يرتكز المركز على مبادئ الاستدامة، مما يعزز الكفاءات في هذا المجال، ويدعم في الوقت نفسه جهود التمويل التي تضمن استمرار ازدهار المتحف المصري الكبير باعتباره منارة عالمية للثقافة والبحث والتعلم.